وفي قول الله عزَّ وجلَّ : « وإذ قال ربّك للملئكة إنّي جاعل في الأرض خليفة » حجّة قوية في غيبة الامام عليهالسلام ، وذلك أنَّه عزَّ وجلَّ لمّا قال : « إنّي جاعل في الأرض خليفة » أوجب بهذا اللّفظ معنى وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدوُّ الله إبليس بهذه الكلمة نفاقاً وأضمره حتّى صار به منافقاً ، وذلك أنَّه أضمر أنَّه يخالفه متى استعبد بالطاعة له ، فكان نفاقه أنكر النفاق لأنّه نفاق بظهر الغيب ، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلّهم ، ولمّا عرَّف الله عزَّ وجلَّ ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرُّتبة عشرة أضعاف ما استحقَّ عدوُّ الله من الخزي والخسار ، فالطاعة والموالات بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لأنّه أبعد من الشبهة والمغالطة ، ولهذا روي عن النبيِّ صلىاللهعليهوآله أنَّه قال : « من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء ولك مثلاه ».
وإنَّ الله تبارك وتعالى أكّد دينه بالايمان بالغيب فقال : « هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب ـ الآية » (١) فالايمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لأنّه خلوٌ من كلّ عيب وريب لأنّ بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهّم على المبايع أنَّه إنّما يطيع رغبة في خير أو مال ، أو رهبة من قتل أو غير ذلك ممّا هو عادات أبناء الدُّنيا في طاعة ملوكهم وإيمان الغيب مأمونٌ من ذلك كلّه ، ومحروسٌ من معايبه بأصله ، يدلُّ على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ : « فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا » (٢) ولمّا حصل للمتعبد ما حصل من الايمان بالغيب لم يحرم الله عزَّ وجلَّ ذلك ملائكته فقد جاء في الخبر أنَّ الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام. وكان يحصل في هذه المدَّة الطاعة لملائكة الله على قدرها. ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والاعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة ، والساعة الواحدة لاتتعرَّى من حكمة ما ، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم ، وما زاد في الوقت إلّا زاد في
__________________
(١) البقرة : ٢.
(٢) المؤمن : ٨٤.