المثوبة وما زاد في المثوبة إلّا كشف عن الرَّحمة ، ودلَّ على الجلالة ، فصحَّ الخبر أنَّ فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجّة.
وفي قول الله عزَّ وجلَّ : « وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة » حجة في غيبة الامام عليهالسلام من أوجه كثيرة :
أحدها أنَّ الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلّها وذلك أنَّ الملائكة ما شهدوا (١) قبل ذلك خليفة قطُّ ، وأمّا نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الاخبار حتّى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا (٢) واحداً منهم ، فكانت تلك الغيبة أبلغ. وآخر : أنّها كانت غيبة من الله عزَّ وجلَّ ، وهذه الغيبة الّتي للامام عليهالسلام هي من قبل أعداء الله تعالى ، فإذا كان في الغيبة التي هي من الله عزَّ وجلَّ عبادة لملائكته فما الظنُّ بالغيبة الّتي هي من أعداء الله. وفي غيبة الامام عليهالسلام عبادة مخلصة (٣) لم تكن في تلك الغيبة ، وذلك أنَّ الامام الغائب عليهالسلام مقموعٌ مقهورٌ مزاحم في حقّه ، قد غُلب قهراً ، و (جرى) على شيعته (قسراً) من أعداء الله ما جرى من سفك الدِّماء ونهب الاموال وإبطال الأحكام والجور على الايتام وتبديل الصدقات وغير ذلك ممّا لاخفاء به ، ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده ، وتبرَّأ من أعدائه ، وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجرٌ ، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزَّ وجلَّ على الايمان بالامام المغيّب في العدم ، وإنّما قصَّ الله عزَّ وجلَّ نبأه قبل وجوده توقيراً وتعظيماً له ليستعبد له الملائكة ويتشمّروا لطاعته.
وإنّما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنَّه قادم عليهم حتّى يتهيؤوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصّروا في خدمته كذلك بدأ الله عزَّ وجلَّ بذكر نبائه إبانة عن جلالته ورتبته ، وكذلك قضيته في السلف والخلف ، فما قبض خليفة إلّا عرَّف خلقه الخليفة الذي يتلوه ، وتصديق
____________
(١) في بعض النسخ « ما شاهدوا ».
(٢) في بعض النسخ « لم يعهدوا ».
(٣) في بعض النسخ « عبادة محصلة ».