فيقول : يا أبا طالب إنَّ لهذا الغلام لشأنا عظيماً فاحفظه واستمسك به فإنّه فرد وحيد وكن له كالاُمِّ ، لا يصل إليه بشئ يكرهه ، ثمّ يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعاً ، فكان عبد المطّلب قد علم أنَّه يكره اللّات والعزَّى فلا يدخله عليهما ، فلمّا تمّت له ستَّ سنين ماتت اُمّه آمنة بالابواء بين مكّة والمدينة وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله صلىاللهعليهوآله يتيماً لا أب له ولا اُمّ فأزداد عبد المطّلب له رقّة وحفظاً ، وكانت هذه حاله حتّى أدركت عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمّد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول : يا أبا طالب انظر أن تكون حافظاً لهذا الوحيد الّذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة اُمّه ، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإنّي قد تركت بنيَّ كلّهم واوصيتك به لانّك من اُمّ أبيه ، يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أنّّي كنت من أبصر النّاس واعلم النّاس به ، فإنَّ استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فإنّه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحدٌ من بني آبائي ، يا أبا طالب ما أعلم أحداً من ابائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا امّه على حال امه فاحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيّتي فيه؟ فقال : نعم قد قبلت ، والله عليَّ بذلك شهيد ، فقال عبد المطّلب : فمدَّ يدك إليَّ ، فمد يده إليه ، فضرب يده على يده ثمّ قال عبد المطلب : الان خفّف عليّ الموت ، ثمّ لم يزل يقبّله ، ويقول : أشهد أنّي لم أقبّل أحداً من ولدي أطيب ريحاً منك ولا أحس وجهاً منك ، ويتمنى أن يكون قد بقي حتّى يدرك زمانه ، فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين ، فضمّه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار وكان ينام معه حتّى لا يأتمن عليه أحداً.
٢٩ ـ حدَّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الاصمُّ قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطاردي قال : حدَّثنا يونس بن بكير ، عن محمّد ابن إسحاق بن يسار المدني (١) قال : حدّثنا العبّاس بن عبد الله بن سعيد ، عن بعض
__________________
(١) هو محمّد بن اسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق ، امام المغازي (التقريب)