المعروف بأبي الدُّنيا معمر واسمه عليُّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد وذكروا أنَّه همدانيٌّ ، وأنّ أصله من صنعاء اليمن (١) فقلنا له : أنت رأيت عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام؟ فقال بيده (٢) ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه عليهما ففتحهما كأنّهما سراجان ، فقال : رأيته بعينيَّ هاتين وكنت خادماً له ، وكنت معه في وقعة صفّين ، وهذه الشجّة من دابة عليٍّ عليهالسلام ، وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن ، وشهد الجماعة الّذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر ، وإنّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة.
وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا ، ثمّ إنّا فاتحناه وساءلناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل ، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلبٍّ وعقل ، فذكر أنَّه كان له والدٌ قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنّها تجري في الظلمات ، وأنّه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمّل وتزوَّد حسب ما قدَّر أنَّه يكتفي به في مسيره ، وأخرجني معه واخرج معنا خادمين باذلين وعدّة جمال لبون [ عليها ] روايا وزادو إنّا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنّة ، فسار بنا إلى أنَّ وافينا طرف الظلمات ، ثمّ دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستّة أيّام ولياليها ، وكنّا نميز بين اللّيل والنّهار بأنّ النّهار كان يكون أضوء قليلاً وأقل ظلمة من اللّيل ، فنزلنا بين جبال وأودية ودكوات (٣) ، وقد كان والدي رضياللهعنه يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنّه وجد في الكتب الّتي قرأها أنَّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع ، فأقمنا في تلك البقعة أيّاماً حتّى فنى الماء الّذي كان معنا واستقيناه جمالنا ، ولولا أنَّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشاً ، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرُّجوع إلينا ، فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيّام ووالدي يطلب النهر فلا يجده
__________________
(١) في بعض النسخ « صعيد اليمن ».
(٢) أي أشار. وفي معنى القول توسع.
(٣) الدك : ما استوى من الرمل كالدكة والمستوى من المكان ، والتل والجبل.