تجري ، فقال : هذه الجنّة الّتي وصف الله عزَّ وجلَّ لعباده في الدُّنيا والحمد لله الّذي أدخلني الجنّة ، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزَّعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ومن ياقوتها لأنّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها ، وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران منثوراً بمنزلة الرَّمل في تلك القصور والغرف كُلّها ، فأخذ منها ما أراد وخرج حتّى أتى ناقته وركبها ، ثمّ سار يقفو أثر ناقته حتّى رجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وأعلم النّاس أمره ، وباع بعض ذلك اللّؤلؤ وكان قد اصفارَّ وتغيّر من طول ما مرَّ عليه من اللّيالي والايّام ، فشاع خبره وبلغ معاوية بن أبي سفيان ، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء وكتب بإشخاصه ، فشخص حتّى قدم على معاوية فخلا به وسأله عمّا عاين فقصَّ عليه أمر المدينة وما رأى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران ، فقال : والله ما أعطى سليمان بن داود مثل هذه المدينة ، فبعث معاوية إلى كعب الاحبار فدعاه وقال له : يا أبا إسحاق هل بلغك أنَّ في الدُّنيا مدينة مبنيّة بالذَّهب والفضّة وعمدها من الزَّبرجد والياقوت وحصاء قصورها وغرفها اللّؤلؤ ، وأنهارها في الازقّة تجري تحت الاشجار.
قال كعب : أمّا هذه المدينة فصاحبها شدَّاد بن عاد الّذي بناها وأمّا المدينة فهي إرم ذات العماد وهي الّتي وصف الله عزَّ وجلَّ في كتابه المنزل على نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله وذكر أنَّه لم يخلق مثلها في البلاد.
قال معاوية : حدِّثنا بحديثها فقال : إنَّ عادا الاُولى ـ وليس بعاد قوم هود عليهالسلام ـ كان له ابنان سمّي أحدهما شديداً والاخر شدّاداً فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّراً وأطاعهما النّاس في الشرق والغرب ، فمات شديد وبقي شدَّاد فملك وحده ولم ينازعه أحد.
وكان مولعاً بقراءة الكتب ، وكان كلّما سمع بذكر الجنّة وما فيها من البنيان والياقوت والزَّبرجد واللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك في الدُّنيا عتوّاً على الله عزَّ وجلَّ فجعل على صنعتها مائة رجل تحت كلِّ واحد منهم ألف من الاعوان ، فقال : انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها ، فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضّة وياقوت و