طاهر وتحاربوا طوال اليوم. فلما جن الليل أحكم غلق باب القصر ، وكان الناس يحرسون باب القصر ليقبضوا عليه ، وكان قد أخذ خراج بخارى كله وجميع الدراهم الغدرفية وأفرغها فى وسط الدار وكان يريد استبدالها بالفضة فلم يجد وقتا. وقد أحدث ثغرة بالجدار فى تلك الليلة وفر بأهله عاريا جائعا وترك تلك الدراهم الغدر فية. وعلم الناس بذلك فدخلوا الدار ونهبوا ذلك المال واغتنى منه أشخاص كثيرون بحيث بقى أثر ذلك الغنى فى أعقابهم ، وكان يقال فى المدينة «فلان غنى دار الحسين ابن طاهر» (١) وفر بعد ذلك (٢). وحدثت من بعده فتن أخرى وحروب كثيرة فيما بين أهل بخارى ، فاجتمع أهل العلم والصلاح من بخارى لدى أبى عبد الله الفقيه بن السيد أبى حفص الكبير (٣) رحمة الله عليه وكان رجلا مبارزا فتدبروا معه أمر بخارى. ولم يكن بخراسان أمير ، وكان يعقوب بن الليث (٤) قد استولى على خراسان قهرا. وكان رافع بن هرثمة (٥) يحاربه (٦) ، كما كانت بخراسان فتنة كذلك ، وأخذت بخارى فى الخراب من هذه الفتن. فكتب أبو عبد الله بن السيد أبى حفص كتابا وجه به إلى سمرقند إلى نصر بن أحمد بن أسد السامانى ، وكان أمير سمرقند وفرغانة وطلب منه أميرا لبخارى ، فبعث بأخيه إسماعيل بن أحمد إلى بخارى. فلما بلغ الأمير إسماعيل كرمينة أقام هنالك بضعة أيام وبعث برسول إلى بخارى لدى الحسين بن محمد الخوارجى الذى كان أمير بخارى.
__________________
(١) كما يقال فى أيامنا «فلان غنى حرب».
(٢) هذه العبارة فيها تكرار ، وكثيرا ما يشاهد هذا فى أسلوب الكتاب.
(٣) انظر حاشية (٣) ص ٨٢.
(٤) يعقوب بن الليث الصفار ـ (أبو يوسف) (توفى سنة ٢٦٥ ه / ٨٧٩ ه) [الأعلام للزركلى].
(٥) رافع بن هرثمة (توفى سنة ٢٨٣ ه / ٨٩٦ م) :
ولى خراسان من قبل محمد بن طاهر سنة ٢٧١ ه / ٨٨٤ م واستولى على طبرستان سنة ٢٧٧ ه / ٨٩٠ م فى أيام الموفق العباسى ، ولما ولى المعتضد عزله عن خراسان فامتنع واتصل بالطالبيين وحشد جيشا احتل به نيسابور وخطب فيها لمحمد بن زيد الطالبى ، فقاتله عمرو بن الليث الصفار ، فانهزم رافع وقتل وأنفذ رأسه إلى المعتضد. (الأعلام ج ٣ ص ٣٦).
(٦) فى نسخة مدرس رضوى يحاربه فى بخارى.