أطلق عليه فى بعض انحاء إيران اسم الملك ، وبذل مساعى جميلة فى الخيرات والمبرات ، واجتهد فى العدل والإنصاف. وقد سأل أحد العظماء فى عهده قائلا :
لقد كان الطاهريون أطهارا فى دينهم أخيارا فى عقيدتهم وعملوا كثيرا من الخيرات ، ولا يوجد منها أى أثر ظاهر ؛ وكان بنو الليث ظالمين جائرين ، ولم يعملوا كثيرا من الخيرات ، وهى كلها جارية. فما الموجب وما الحكمة فى هذا؟ فأجاب : لقد كان بنو الليث بعد الطاهريين ، ولفرط الخبث الطبعى والظلم الجبلىّ لم يجروا خيرات الطاهريين ، وأبطلوها حرصا وطمعا ، واستولوا على موقوفاتهم ، وكان السامانيون بعد بنى الليث ، فأقروا خيرات بنى الليث لحسن مروءتهم وطهر عقيدتهم ولم يطمعوا فيها ، فلا جرم أن تلاشت تلك وجرت هذه ـ والحكمة فى هذا هى أنه لا شك فى أن كلا من المحسن والمسىء سيلقى جزاءه فى المحشر ، وكل من عمل خيرا يجزى خيرا ، ثم إن إحسان الذى أساء وأبطل الخير لخبثه ، يكون إحسانا آخر للمسىء يقدمه للمحسن إزاء بطلان عمل المحسنين ، فإذا ما أجرى محسن آخر إحسان ذلك المحسن فإنهما يتساويان ، وفى ذلك ثواب للثانى ، فثواب المحسن الأول ثلاثة أمثال ، ولا يكون للمسىء أى ثواب ، فيحملون هذا إلى الجنة ويصلون ذلك النار.
وقد ملك إسماعيل السامانى فى إيران سبع سنوات وعشرة أشهر وتوفى فى الرابع عشر من صفر سنة خمس وتسعين ومائتين (٩٠٧ م). ومن أقواله (كن عصاميّا ولا تكن عظاميّا) (١).
وقد صار أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان ملكا بعد أبيه بحكم الوراثة ، وكان راعيا للعلماء محبّا لهم ، وكانت أكثر مجالساته للعلماء ، ولهذا نفر منه الغلمان ، وقد نقل المنشورات والأحكام من اللغة الدرية (٢) إلى العربية وحكم مدة خمس سنوات وأربعة أشهر ، وقد بلغه يوما أخبار مثيرة من أنحاء ملكه ، فقال
__________________
(١) هذه العبارة وردت فى الأصل بالعربية.
(٢) الفارسية الدرية هى فارسية البلاط نسبة إلى (در) أى الباب والمراد به باب السلطان أو بلاط الملك ، وهى الفارسية الفصحى.