يرى هذا التناقض العجيب ، وهذا التهافت البغيض على الأمر ، فما كان صانعاً؟
كان على أمير المؤمنين أن يحدد موقعه ثابتاً من عدة مواقف طرحها المناخ السياسي عليه :
١ ـ أن يبايع لأبي بكر دون قيد أو شرط ، وينفض يده من الأمر ، فيريح ويستريح.
٢ ـ أن يحتج على البيعة ، ويدعو إلى نفسه بما معه ومن معه من بني هاشم والعدد الضئيل من الأنصار ، وأصابع إلىد من المهاجرين ، وإن سفكت الدماء وارتدّ الناس.
٣ ـ أن يصبر ويتجرع مرارة الصبر ،ويقف موقفاً وسطاً بين ذلك، يحتّجُ ويناظر ، ويمسك عن البيعة ، مطالباً بحقه الذي يراه ، والمنصوص عليه ، متوسلاً إلى ذلك بالذرائع السلمية ، فإن فاز بشيء منها فبها ، وإلا فقد أعذر ، حفظا للإسلام ، وحقناً للدماء ، وتألفاً للقلوب ، وبقيا على الأمة.
وما كان علي ليقف في الموقع الأول من هذه الخيارات ، وهو يرى نفسه الأحق بالخلافة ، والأولى بالبيعة ، وما خلق ليريح الناس في مجالدة الباطل ، ولا ليسترح في ظل الأمن والدعة.
وما كان لعلي أن يدخل معركة خاسرة يفرّق فيها كلمة المسلمين، فيقوم بالسيف ، والردّة على الأبواب ، والناس حديثو عهد بالإسلام، والجاهلية ألصق بالنفوس وأقرب إلىها من حبل الوريد ، ولا أن يخاطر بهذه القلة الخيرة التي امتنعت عن البيعة تحرجاً وتأثماً ، فتذهب دولة الإسلام ، لا عن ضعف في النفس أو خور في الطبيعة ، ولكن إيقاءً