للحال من الزوال ، وتريثاً في الأمر عن صلابة ، ولعله يشير إلى ذلك : « ويح الناس ... إن أقُلْ يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت ، أما والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ».
إذن لم يكن موقفه هذا عن تلكؤ وتردد بل عن روية ويقين.
بعد هذا نجد موقفه خليقاً بأن يتحدد بالإمساك عن البيعة ولو إلى حين ، وبيان مقامه وأحقيّته ، وعرض ظلامته ومظلوميته ، سليماً. وهذا ما حدث بالضبط ، إذ لم يجد ناصراً حقيقياً يضحّي ـ بما فيه الكفاية ـ من أجل القيم ، فلا أقل من أن يقف موقفاً صارماً حتى يعذر أمام ربه ونفسه وعارفي منزلته. وكان جديراً بعلي أن يقف هذا الموقف ، فهو مأمور بالصبر ، وهو مأمور بالعمل معاً. ويريد هذا الموقف أن المعارضة الأنصارية ذهبت إلى أمير المؤمنين تستشيره وتستثيره ، قالوا :
تركت أمراً أنت أحق به وأولى ، ولقد هممنا أن نصير إلى أبي بكر فننزله عن المنبر. فقال : لو فعلتم ذلك لما كنتم إلا حرباً ، ولو فعلتم ذلك لأتوني ؛ فقالوا : بايع وإلا قتلناك ، وإن رسول الله أوعز إلى قبل وفاته ، وقال : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي ، فقلت يا رسول الله : فما تعهد إلى إذا كان كذلك ، فقال : إذا وجدت أعواناً فجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك ، واحقن دمك.
ولقد كفّ علي يده ، ولكنه لم يكفّ لسانه عن المحاججة ، ولا ضميره عن الرفض ، حتى أعذر ، فلقد بلغه احتجاج أبي بكر على الأنصار كون النبي من قريش ، فقال : « إِحتجوا بالشجرة ، وأضاعوا الثمرة ».