وتعالى بابي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ييهم الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ) (١) أو نجم قرن للشياطين ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمرالله ، قريباً من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، سيداً في أولياء الله ، مشمراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، وأنتم في بدهنية من العيش ، وادعون فاكهون امنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرون من القتال ، فلمّا اختيار الله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم دار انبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ، ثم استهظكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غضباباً ، فوسمتم غير بلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يقبر ، إبتداراً زعمتم خوف الفتنة.
( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) (٢)
فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى توفكون ، وهذا كتاب الله بين أظهركم : أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، واعلامه باهرة، وزواجره لائحة ، واوامره واضحة ، قد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تدبرون ، أم بغيره تحكمون ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ) (٣) ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٤.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٤٩.
(٣) سورة الكهف ، الآية : ٥٠.