فما أراد عليّ بنفسيته المتألقة النقض والإبرام ، ولا حاول الأخذ والردّ ، وإنما أبقى الأمور على طبيعتها ، وترك السياسة على سجيتها ، ناصحاً حيناً ، وموجهاً حيناً آخر. وما يدرينا فلعله رمق الأفق ، وتطلع إلى ما فيه من تناقض ، وأدرك ما عليه الناس من الفوضى ، وما تهيأه الأقدار من الظروف الشاقة على الإسلام ، وما تفرزه النفوس القلقة من الأحقاد ، فألقى حبلها على غاربها في حدود أحقيّته بالأمر ، وإضطلاعه بالمسؤولية ، إذ لا يطاع لقصير أمر ، وقد سبق السيف العذل كما يقال.
وما علمنا مشاركة علي عليهالسلام في هذه الأحداث الجسام قائداً أو محارباً ، إما اعتزالاً لها ، أو منعاً من التحرك باتجاهها كما هو الظاهر ، فقد كان هو وأمثاله من عليّة المهاجرين قد ضرب النطاق حولهم في عدم الغزو أو السفر أو الإرتياد ، فعليهم أن يحيط بهم سور المدينة وحده ، لا يختلفون إلى الناس ، ولا يختلف الناس إليهم ، فقد كفاهم من الجهاد ما جاهدوا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كانت هذه سياسة القوم ، وكان على عليّ عليهالسلام أن ينفذها راغباً أو راهباً.
وقد قسم عليّ حياته على أنحاء في إدارة شؤون آخرته ودنياه :
١ ـ التفرغ لجمع القرآن تنزيلاً وتأويلاً.
٢ ـ الدعوة إلى الإسلام من خلال بيان تعليماته ، ونشر أحكامه.
٣ ـ الخروج إلى ينبع وأطراف المدينة للمزارعة والمساقاة.
٤ ـ التواري عن المناخ القيادي ، فهو أحد الناس له ما لهم وعليه ما عليهم.