لم يتجاوز عليّ عليهالسلام هذه المحاور في أكبر الظن ، وما كان ليتجاوزها ولا أن يخرج عنها وهو الناقد البصير ، إذ وجد نفسه محاطاً بالعيون والأرصاد خشية كرّته في المطالبة بالأمر.
وما كان لعلي عليهالسلام وهو الزاهد المجاهد أن يقوم بحركة ما يكون ضحيتها الإسلام في كيانه واستقراره ، ويكون وقودها الخيرة الصالحة من أتباعه ومؤيديه ، بل ذهب إلى ما هو خليق به في صيانة الإسلام ، والإبقاء على أعيان الصحابة من الإستئصال والفناء ، ولم يمنعه هذا من شرح قضيته ، وإعلان مظلوميته بالوسائل السلمية ، إيذاناً بالحق لا رغبة في متاع أو سلطان ، وترجماناً لمعالم الطريق في الهداية والتبصر لا حباً للمعارضة والتذمر.
ولم تكن تخفى هذه الحقائق على أعلام المهاجرين وأعيان الأنصار ، ولم يكن بمنأى عن ادراكها الحزب الحاكم بأقطابه الثلاثة ، فوقف بعضهم منه موقف المنتظر الراصد ، ووقف بعضهم الآخر موقف المترصد الرقيب ، وسلم من بين هذين الرجل الذي إستحب تولية المستضعفين في الأرض ، وتهيأة رائدي عدالة السماء في الأرض ، وإنعاش أصحاب الحقوق الضائعة في الأرض ، ليقيم حقاً ، ويدحض باطلاً ليس غير ، وسدر عنه من سار بركاب الحكم لا يلوي على شيء من تلك الموازين.
كانت شخصية أمير المؤمنين تتجلى كلمّا أدلهمّ الخطب ، ونفسيته تتألق كلما ازداد النكر والغدر ، وعقليته تتفوق كلما هبطت المطامع بالعقول ، فبدا مناراً شامخاً لا تهزّه العواصف ، وكوكباً هادياً لا تحجبه الأستار ، يتمتع بالهيبة من العدو والصديق ، ويتجلبب بالعزّة لدى القريب والبعيد ، يُلتجأ إليه في الشدائد فيشق غمارها بثاقب رأيه ،