ويلتمس عند المحن فيكشف ظلمتها بحديد نظره ، مرتفعاً بمستواه القيادي عن صغائر الأمور ، متواضعاً في نفسه عند مواضع الزهو والفخر ، تحسبه مطمئناً وهو يضطرب تحرقاً على الإسلام ، وتخاله مضطرباً وهو أثبت من الجبال الرواسي ، لم يألف الدنيا ولم تألفه الدنيا ، كان وكده كلمة التوحيد ، وكان شغله توحيد الكلمة ، وإن ظل جليس بيته حيناً ، ورهين مزرعته حيناً آخر.
وكانت ضخامة تضحيته في هذا الملحظ تتناسب وضخامة الأحداث ، فما كان المسلمون لينشغلوا بمنحى الردّة ، وحروب الردّة ، ونتائج الردّة ، وينشغل عليّ بطلب الحكم وإيثار السلطان ، فقد نشأت نفسه وترعرت في نصرة دين الله ، وقد صحت عزيمته وقويت شكيمته في الذود عن دين الله ، فليتناس عليّ حقه إذن ولو إلى حين ، وليضرب صفحاً عن هذا الحق المضيع فقد أباه قومه عليه دون مسوغ واع ، ولكنه نكير سيفه على المشركين ، وشدة وقعته على قريش ، وقد تألبت القلوب عليه ، ولا سبيل إلى صفائها ، وقد كرهت القبائل صولته وجولته في صدر الإسلام ، ولا أمل في التحبب إلى نفوسها ، وذو الفقار يقطر من دماء فتيانهم في بدر وأحد ، ورؤوس أبطالهم تندر بسيف علي في المشاهد كلها.
هذا هو السبب الحقيقي الأول في الإغماض عنه ، والتنكر له ، وتر القلوب ، وأوغر النفوس ، والجاهلية هي هي في أحقادها ، وأنى تنزع هذه الأحقاد ، وتنسى تلكم الأوغار ، وعليّ هو هو في صلابته ، وذلك السيف بيده ، وإن عادوا عاد.
وناحية ثانية ليست أقل أهمية من الأولى ، كونه امتداداً لنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يجدوا من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا النضال المستمر ، والحمل