على الطريق المستقيم ، وهذه الدنيا تلقي بزهرتها في أحضانهم ، وتزجر بنعيمها بين ظهرانيهم ، فليس لهم إذن مع علي إلا النضال نفسه ، والزهد نفسه ، والحمل على الجادّة نفسها ، والنفوس أميل إلى الترف والبذخ والدعة منها إلى القصد والاعتدال والمجاهدة.
وظاهرة ثالثة توازي ما تقدم إلا وهي حب الرئاسة والإنفراد بالأمر والإستيلاء على السلطة ، وتلك طبيعة قريش في أُرستقراطيتها ، وذلك منهجها في إثرتها ، وعليّ في مقتبل العمر وعنفوان الشباب ، وعسى أن تطول مدته ويتمهل الزمن ، وإذا حدث ذلك فقد رسخ حكمه ، واستقر نظامه ، ولا أمل في العودة إلى الوراء.
كل أولئك وسواء كان وراء إقصائه عن المرجعية في الدين.
فإذا أضفنا إلى ذلك قرب العهد بالجاهلية ، وضعف الوازع الديني ، وإنشقاق الأنصار فيما بينهم ، وإشفاق المهاجرين من ضياع الفرصة ، وقد فجأ الإسلام حدث الشقاق ، ودهم المسلمين خطر الإرتداد ، وجدنا الأمثل بأمير المؤمنين أن يسلّم للأمر الواقع راضياً وساخطاً ، راضياً بقدر الله وقضائه ، ساخطاً على تجاهل قدره وهوان منزلته ، ولكن هذا وذاك لم يمنعه من الإعتداد بنفسه إعتداداً شامخاً ، ولم يبخل من أجله بتسخير مواهبه ومعارفه ، فنصب ذاته علماً للدين ، فما استطاعوا أن يصرفوا الأنظار عنه ، فكانت معضلات المسائل وأمهات المشاكل تنتظر حلوله الدقيقة ، حتى قال ابو بكر في أكثر من موضع :
« بأبي يا أبا الحسن يا فرّاج الكروب ومزيل الهم ».
ولم تمنعه عزلته الظاهرية عن إقامة السنن وإبانة الفروض ، فكان