وكان ما لحقه من حيف وحرمان وتجاهل ، وما تجرعه من لوعة ومرارة وكمد ، حرياً بأن يؤلب الرجل ويثير مكامن حزازته ، أو يتجلى ذلك في ثورة عارمة في سيرته ، ولكنه أخلد إلى المسالمة ، واتسم بنقاء النفس وصفاء النية ، بل ذهب إلى أكثر من هذا فقد كان الناصح الأمين ، والمشير الورع ، وهذا لا ينافي كونه صابراً محتسباً ، أو مظلوماً مهتضماً.
حتى إذا تدهورت صحة أبي بكر ، وأشرف على الموت ، وإذا به يروغ عن علي عليهالسلام وكأنه لم يكن ، ويتركه جانباً وكأنه لم يخلق ، ويصحر بسياسته دون مجاملة ، ويفصح عن رأيه دون ستار من عرفان المصالح العليا فتزاد آلام الرجل ويعبر عنها بقوله مستغرباً :
« فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها ، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثر فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس ، وتلون وإعتراض ، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة ».
وإذا بأبي بكر يعهد إلى عمر مفصحاً :
« أيها الناس : أترضون بمن أستخلف عليكم؟ إني والله ما ألوت من جهد في الرأي ، ولا وليت ذا قرابة ، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب. فاسمعوا له وأطيعوا ».
وكانت بادرة تستدعي العجب ، ومفاجأة تستأهل التساؤل ، ليس على الطبقة الواعية لحقيقة المجريات ، ولكن لقول أبي بكر نفسه حينما