وإذا بعمر يطلق صرخته الثالثة : « لا زلت موفقاً يا أبا الحسن ».
ويجري المال والفيء بحراً بين يدي عمر ، ولا يدري ما يصنع في جملته ، وقد يحول عليه الحول ، فيبعث إلى علي يستشيره في ذلك ، فيشير عليه بما تمليه العدالة الاجتماعية من جهة ، وبما تفرضه أمانة الأمة من جهة أخرى ، فيقول له عليّ عليهالسلام : « تقسم ما يرد من الأموال ، حتى إذا حال الحول لم يبق في بيت المال درهم ولا دينار إلا ذهب إلى مستحقه ».
ويفعل عمر بعض هذا ، ويجتهد في بعضه الآخر.
ويضاعف سعد بن مالك الصدقة على نصارى الجزيرة ويبعث بأعيانهم إلى عمر ، فيقول لهم عمر : « أدوا الجزية وانطلقوا » وتأبى نفوسهم هذا ، فيتلافى عليّ الموقف ، ويقول لعمر : « ألم يضعف سعد بن مالك عليهم الصدقة » فيقول عمر : « بلى قد فعل » فيشير عليّ بالاكتفاء بهذا ، فيترك عمر القوم ؛ وكان من تفكيرهم الفرار إلى الروم لولا هذا الحل المنطقي ، فهم يدفعون الجزية فعلاً ولكن بعنوان آخر.
وجيء لعمر بامرأة ولدت لستة أشهر ، فاعتقد عمر (رض) بها الزنا ، فأمر برجمها ، فجبهه عليّ عليهالسلام : لا تفعل ، فلو خاصمتك بكتاب الله لخصمتك. إن الله تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١).
__________________
(١) سورة الأحقاف ، الآية : ١٥.