الحاجة إلى الخبراء والإداريين ، وإذا بمروان يعيّن من يشاء ، ينصب من يشاء ويعزل من يشاء. وكان المقربون لمروان أكثر الناس عائدية في المناصب والدواوين والإقطاع ومراكز السلطة ، وكان المستهينون بمروان أبعد الناس عن الحباء والعطاء ومواطن القوة ، فتمتع المستغلون لمروان بما وسعهم من الأثرة والنفوذ والتقلّب بأحضان الإمتيازات ، وحرم المستضعفون من أبسط حقوقهم في الجاه والمال والمنافع ، وكان المستغلّون هم القلة من الناس ، وكان المحرومون هم الأغلبية العظمى من المسلمين.
وأدرك المسلمون هذا التفاوت ، وعز عليهم هذا الاستئثار ، وجحفهم ذلك الاستبداد ، وكان مروان وراء ذلك كله أو جلّه ، فاستعانوا على تغيير ذلك بعلي ، فسفر بينهم وبين عثمان ، فما استمع عثمان للنصح ، ولا استبعد مروان عن التسلط ، ونعت نائلة بنت الفرافصة زوج عثمان على عثمان تفويض الأمر إلى مروان ، وطلبت إليه العمل بما يشير عليه علي عليهالسلام ، ولكن الرجل كان رحيماً بذوي رحمه ، رقيق القلب معهم ، كثير الحدب عليهم ؛ فما غيّر ولا بدّل ، ولا أجاب ولا استجاب.
وتناهى إلى المسلمين كل ذلك ، وأكثر من كل ذلك ، فغضب منهم من غضب ، ونقم على عثمان من نقم ، وتعكر الجو ، ودبت في النفوس بوادر الثأر لما يحدث ، وانطوى تفكير الناس على كثير من التخطيط المنظم وغير المنظم ، وكانت الجمرة تتقد من وراء الرماد.
وكان مروان يسمع ويرى ، فما تغير موقفه ، ولا نظر في أمره وأمر الخليفة المحكوم ، بل ازداد إمعاناً في الأثرة ، وتولى تسفيه آراء المعارضة لدى عثمان ، وأمّن له عثمان ، وأيد بنو أمية ، وتراكم السوء