تتحكم في المال ، وقد مهدّ لهذا الحدث بقرارين مهمين ما كانا من ذي قبل :
الأول : سماحه لكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار أن يتنقلوا بين الأقاليم والبلدان ، وألغى الحضر السياسي الذي اتخذه الشيخان عليهم من ذي قبل في مغادرة المدينة.
الثاني : وسع عثمان على ذوي الثروة بأن لهم الحق المشروع بنقل فيئهم إلى حيث يقيمون من البلاد ، وكان أثر هذا أن تم استبدال مال بمال ، وضياع بضياع ، وعقار بعقار ، وتنافس الصحابة في ذلك ، فمن أراد بيع أرض في الحجاز تم له ذلك بشراء أرض في العراق ، ومن رغب بتضخم ماله في الحجاز ، باع سهمه من فيئه في الأقاليم واستثمره فيما يشاء ، وكان هذا يستدعي الأيدي العاملة والطبقة الناهضة بالمهمات الجديدة ، وما إن وضع هذا القرار موضع التنفيذ حتى رأينا الصحابة يسارعون باستبدال ما كان لهم من أراضٍ في الأقاليم المفتوحة ، بالأراضي في الحجاز والعراق واليمامة ، وكانت مهمة استصلاحها زراعياً تلقى على عاتق أولئك النفر من الموالي والرقيق والأسارى ، فانتشروا في بلاد العرب ، وحققوا لأمراء العرب ما أرادوا حرثاً واستثماراً وعائدية أملاك عريضة ، ونجم عن ذلك تسرب تقاليد لم تكن ، وحضارات لم تعرف ، إلى إلى هذه البلاد وتلك ، وكثر العبيد والموالى فافسدوا ذائقة العرب فى عاداتهم فانتثر الترف والبذخ وشاع الغناء والمجون ، فانتقل المسلمون من مناخ الدعة إلى الإضطراب ، ومن حياة الكفاف إلى الإسراف ، ومن الإعتماد على النفس ولأبناء في إدارة الأعمال إلى التوكل على الرقيق الذي أضحى يدير شؤونهم ، ويشرف على حياتهم ، ويتولى زراعة أرضهم ، وخدمة نسائهم ، وتصريف أموالهم.