كان من شأن القرار الأول لعثمان أن تفتحت عيون المسلمين على حياة جديدة في الأمصار المفتوحة ، وما كان كل المسلمين يستطيع أن يتطلع لهذه الحياة ، بل كان أكثرهم قدرة على السياحة والإستثمار والتجارة أن يتمتع بها ناعماً فارهاً ، وكان جملة من الصحابة قد بارك هذا المناخ الجديد ، ونقل معه رؤوس الأموال فأبتاع بها ما شاء من متاع في الأرض والعمارة ، وألحق بذلك ما شاء من الرقيق القائم بهذا العمل أو ذاك ، فتحرك في النفوس ما كان هادئاً من الترف والرخاء ، وتماشى الزهو والبطر في الإستزادة من الذهب والفضة والعقار ، وإذا بالأموال تنمي الأموال ، وإذا بالثراء يضاف إلى الثراء ، فإزداد الشر وإزداد النكر ، ووقف فقراء المسلمين ينظرون إلى كل هذا ولا يملكون شيئاً منه ، ويتابعون هذا التحول الخطير ولا يزودون بلماضة فيه ، فيسارعون إلى النقمة ، ويتحولون إلى الإنكار ، فتنطوي الصدور على الاحقاد والأوغار ، وتشتمل الأفكار على ابتداع الخطط والمؤامرات ، عسى أن ينعموا بالمساواة ، أو يهتبلوا الفرصة بالمواساة ، ولم يكن هذا ولا ذاك.
وكان من شأن القرار الثاني أن يدعم القرار الأول في كل جزئياته المتناثرة هنا وهناك ، فالمال في الحجاز غير الأرض في العراق ، والإستثمار بخيبر غير الإستثمار بالطائف ، والتقوقع في مكان واحد غير الإنتشار في الأقاليم المفتوحة ، والسبق إلى التنافس غير الجمود والقناعة ، إتسعت الملكية الخاصة ، وتطورت الثروة المشروعة وغير المشروعة ، وتهامس الناس هنا وهناك عن مصادر هذا الثراء الفاحش ، وموارد هذا الإستئثار القائم ، وهناك الطبقات المحرومة من الأعراب وصغار الملاكين ، وهناك المستضعفون من المسلمين الزاهدين ، وهناك من لا نصيب له بتجارة ، ولا عهد له بزراعة ، وهناك أكثر من هذا كله ،