من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص ، وكان من شأن هذا أن يألب الناس على صاحب القرارين ، وأن يوجه عنايتهم إلى التغيير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
ولم يكن المجتمع ليغفر هذا التفاوت الطبقي ، فقد عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يحقق العدل الاجتماعي ، كما عهد صحابته زاهدين في حطام الدنيا ، ونظر في أهل بيته فوجدهم مواسين بما لديهم من فضول أموالهم البؤساء والفقراء ، أما هذا التمحض للمال ، والتفرغ التام للدنيا ، فلم يخطر على بال أحد منهم ، وعسى أن يكون مظهر إرتداد عن منهج الشرع المستقيم ، وأن يبدو مظهر جزع وفزع لدى السواد الأعظم من الناس ، ككان صغار المسلمين يتهافتون على الحروف ، ويتنافسون على الفتوح ، وكان كبارهم يتنافسون على تشييد القصور ، وإحتجان الأرباح ، ومن أمثلة مظاهر هذا الترف المسرف ، وهذا الإسراف المترف ما يذكره المؤرخون مجمعين عليه قالوا :
فلما بنى عثمان قصره ( طمار والزوراء ) صنع طعاماً نفيساً ، ودعا إليه الناس ، وكان فيهم عبد الرحمن بن عوف الذي صفق على يديه مبايعاً له على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين ؛ فلما نظر عبد الرحمن إلى عظمة البناء ، وألوان الطعام ، قال : يا ابن عفان : لقد صدقنا عليك ، ما كنا نكذب فيك ، وإني أستعيذ بالله من بيعتك ، فغضب عثمان ، وقال : أخرجه عني يا غلام ، فأخرجوه ، وأمر الناس ألا يجالسوه ، فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس ، كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض ، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان ، وكلّمه فلم يكلّمه حتى مات.
وعبد الرحمن هذا المنكر على عثمان بذخه في القصور ، لم ينكر