الكندي الذي قال عنه ابن أبي الحديد : « كل وهن لحق بخلافة أمير المؤمنين فمصدره الأشعث بن قيس ».
وهذا يعني أن الأشعث ومن على شاكلته من أهل الدنيا لم يخلصوا النية للإمام ، ولم ينصحوا له سراً ولا علانية ، فهم أهل هوى لا أهل ورع ، والهوى يقود صاحبه إلى الضلال لا الهدى ، فكان هؤلاء يريدون الموادعة ، ولا يريدون نصراً لعلي عليهالسلام ، يسير بعده بسيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكان جيش الإمام مزيجاً من أقوام أخلص بعضهم إخلاصاً فذّاً ، وغدر بعضهم غدراً مبيّناً ، ووقف آخرون موقف المحايد المستفيد. فمن تابعه من المهاجرين والأنصار ومن إتبعوهم بإحسان يقاتلون ببصيرة نافذة ، ودوافع دينية محضة لأنهم يرون الحق مع علي وعلياً مع الحق ، وكذلك كان خيار أهل الكوفة ، وجملة من أهل البصرة. وأما من لحق به من أهل الجمل فكان فيهم المنهزم والدخيل والمعتزل. ولم يكن إخلاصهم للإمام خالصاً ؛ وهناك طائفة كبيرة من الإنتهازيين والوصوليين يظهرون الولاء لأمير المؤمنين ويضمرون الكيد له ، يغازلون معاوية سراً ، ويشايعون علياً علناً ، وليس من الصعب على معاوية استدراج هؤلاء لأغراضه ، وإستقطابهم في مخططاته الكبرى ، فما إن رفعت المصاحف حتى انتقض جيش الإمام على نفسه ، وطلبوا إلى الإمام إيقاف الحرب ، وأحاط به أكثر من عشرين ألفاً شاهري السيوف ، وقد يقال بأن بعضهم طلب من الإمام القبول بحكم القرآن وإلا لحق بعثمان ، والإمام كان يقاتل من أجل حكم القرآن ، ونظام القرآن ، وأوضح لهم أن معاوية وأشياعه ليسوا بأهل دين وإنما هم طلاب ملك ودنيا ، وأنها خديعة الطفل عن اللبن ، فكان أشد الناس عليه الأشعث بن قيس