شعوره وتفكيره ودينه ، وقد عجمه الأحنف بن قيس وأعطى رأيه فيه للإمام ، وقد خذّل أبو موسى عن الإمام في حرب الجمل ، وقد عزله علي عليهالسلام عن إمارة الكوفة ، وقد تبعه المهوسون يستريحون إليه في حب السلامة ، وفي نفسه موجدة على عليّ نتيجة عزله ، وفيه أزورار عنه لتهاونه بشأنه ، وقد ظهر بمظهر الورع والتحرج وهو بعيد عنهما ، وقد تلهف على الشورى ، بل ونادى بالطيب بن الطيب عبد الله بن عمر على حد تعبيره ، وتمطى بسذاجة مخلة أو شيطنة مبطنة بوقت واحد ، فاستغل عمرو بن العاص كل هذه المخلفات استغلالاً كبيراً حتى أودى به وقلب له ظهر المجن.
كان الإجتماع بدومة الجندل حيناً ، وفي أذرح حيناً آخر ، وتفاوض الحكمان مدة مديدة في الأمر ، وقد كثرت آراء المؤرخين فيما تفاوضا فيه ، فذهبوا في ذلك أكثر من مذهب. ولكن المؤكد أن الحكمين قد اتفقا على خلع علي ومعاوية ، وجعل الأمر شورى بين المسلمين ، وواضح أن هذا الاقتراح كان مكيدة من عمرو ، واستغفالاً لأبي موسى ؛ إذ ما هو معيار هذه الشورى؟ وإلى من تعود؟ وفيمن يرشح لها؟ وكيف الحال عند المسلمين ، فالعراقيون يرشحون علياً ، والشاميون يرشحون معاوية ، فتعود جذعة كأن لم يصنعا شيئاً ، وإن رُدّت الشورى إلى أهل الحل والعقد ، فأهل الحل والعقد قد بايعوا علياً ؛ فلماذا الشورى حينئذٍ؟
في هذا المقترح ـ إذن ـ يكمن غدر ابن العاص ، وتغافل أبي موسى ، فابن العاص مخطط متمرس للقضية ، ومنظر دقيق لها ، وأبو موسى في خدعة مستمرة لا يستفيق ، عمرو يخدعه وهو يخادع نفسه ، ولا يرعوي بينهما إلى سند وثيق.