ويصوم الفتى والفتاة ، ويعدّان للإفطار أقراصاً من الخبز ، وجريشاً من الملح ، وشيئاً من لبن قد يحضر وقد يغيب ، وإذا بالباب يطرق وعليه مسكين يستغيث من الجوع ، فيجود عليه الصائمان بإفطارهما هذا ، ويطويان ليلتهما لليوم الثاني ، ويعدّان مائدة الإفطار على هذا النحو البسيط ، وإذا بالباب يطرق وعليه يتيم لا يجد إلى الشبع سبيلاً فيجود عليه الصائمان بإفطارهما ، ويطويان ليلتهما لليوم الثالث ، ويعدان مائدة الإفطار وهمافيعسر من أمرهما ، وإذا بالباب يطرق وعليه أسير لا طمع له في القرص ، فيجود عليه الصائمان بافطارهما ، ويهبط حبرائيل بالوحي على الرسول الكريم مدوناً هذه الحادثة الفريدة في الإيثار :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) (١).
وينتشر النبأ بين المسلمين إنتشار النار بالهشيم.
وكان عليٌ في هذا الجانب مؤثراً على نفسه دون شك :
( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) فلم يكن ذا سعة في المال ، ولم يكن مبسوط اليد في الثراء ، ولكنه لم يعرف عنه الاعتذار في هذا المجال ، يجود بما عنده ، ويلزم نفسه بالشدة ، ابتغاء مرضاة الله ، لا يشرك في نيته أحداً ، ولا يفضي بسره في ذلك إلى أحد ، فعمله خالص لله وحده ، وقد دلّنا الذكر الحكيم في غير موضع على هذا الملحظ عند عليّ؛ فعن أبي ذر الغفاري :
__________________
(١) سورة الإنسان ، الآيتان : ٨ ، ٩.
(٢) سورة الحشر ، الآية : ٩.