آخر ، وكان التساؤل والتنطّع دون تقدير لملكية هذا الوقت ، وعائدية هذه الشخصية ، فحدّ القرآن من هذه الظاهرة ، وإعتبرها ضرباً من الفوضى ، وعالجها بوجوب دفع ضريبة معالية ، تسبق هذا التساؤل أو تلك النجوى ، ونزل قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١).
وكان لهذه الآية وقع كبير ، فامتنع الأكثرون عن النجوى ، وتصدق من تصدق فسأل ووعى وعلم ، وانتظم المناخ العقلي بين يدي الرسول الأعظم ، وتحددت الأسئلة ، ليتفرغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للمسؤولية القيادية؛ وكان عليٌ وحده هو المتصدّق وهو المناجي ليس غير ، وقام على ذلك إجماع المسلمين حتى قال عبد الله بن عمر : « كان لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهن لكانت أحبّ إلي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى » وقال عليٌّ عليهالسلام يشرح هذه الحادثة : « إذا كان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ( وتلا آية النجوى ) كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قدمت درهماً ... ».
ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية ، وبلغ الله فيها أمره ، نسخ حكمها ورفع ، وخفف الله عن المسلمين بعلي وحده ، بعد شدة مؤدية ، وفريضة راوعة ، وتأنيب في آية النسخ :
( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا
__________________
(١) سورة المجادلة ، الآية : ١٢.