أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ».
فرجع عليٌّ إلى المدينة ظافراً بهذا الوسام ، فعظم في عين من أعظمه ، وأبتلي بالحقد والحسد مرة أخرى على هذه المنزلة ، فكان حارساً أميناً فيما استودع ، وساهراً يقظاً على ما استخلف بالمعنى العلمي الدقيق للإستخلاف ، فيما عبر عنه النبي بالحرف الواحد : « فأنت خليفتي في أهل بيتي ، ودار هجرتي وقومي ».
ولما انتهى النبي إلى تبوك توافد عليه رؤساء الروم وزعماؤهم وحكامهم ، فأعطوه الجزية عن يدوهم صاغرون ، فحقن دماءهم وأموالهم وكرّ راجعاً إلى المدينة بعد إقامة عشرين ليلة في تبوك.
ولا تسل عما جرى له في طريق العودة ، حينما مكر به المنافقون وبرفقته حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر ، فقد مكروا وأرادوا طرحه من العقبة ، وطلب إليه بعض المسلمين ضرب أعناقهم ، وقد علمهم جميعاً ، وقال : أكره أن تتحدث الناس أن محمداً قد وضع يده في أصحابه ، وسماهم لعمّار وحذيفة وقال اكتماهم. وكانوا أربعة وعشرين رجلاً ، وعرفهم حذيفة بأعيانهم فكان أعرف الناس برؤوس المنافقين ، وكذلك كان عمّار ، واتصل النبأ بعلي عليهالسلام فعرف ذلك ، واستوى بين يدي النبي ، وقد حمل الرسالة ، وأدى الأمانة ، وأحسن الإستخلاف.
* * *
ولم يكن عليٌّ عليهالسلام رفيق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في حربه وسلمه ، وأخاه في الشدة والرخاء فحسب ، بل كان قائد جملة من سراياه التي أمر بها ، وأعطاه نيابته فيها ، فيرجع بالظفر ، وفي طليعتها سرية « ذات السلسلة » فقد أعطى النبي الراية علياً عليهالسلام بعد أن رجع بها اثنان من أصحابه لا يلويان على شيء.