النبوة والأنباء وأخبار السماء ، لولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون ، ولكان الداء مماطلا ، والكمد محالفا ... ولكنه ما لا يملك ردّه ولا يستطاع دفعه ، بأبي أنت وأمي : اذكرنا عند ربك ، واجعلنا من بالك ».
وهاجت به الأحزان ، وهو يودعه مكّبا على القبر الشريف قائلا : « إن الصبر لجميل إلا عنك يا رسول الله. وإن الجزع لقبيح إلا عليك ، وإن المصاب بك لجليل ، وإنه قبلك ويعدك لجلل ». وأنكفا عليّ راجعا الى بيته ، يعاني أقسى صنوف الآلام ، ويتجرع غصص فراق رسول الله ، فالليل طويل ، والصبر مرير ، والآهات متلاحقة ، والأنفاس متقطعة ، وهو بين ذلك في سهاد وقلق ، وحزن والتياع ، ووحشة إيمّا وحشة يمعن فيها الشعور بالفراغ التام إيمّا إمعان.
ولكن قلب علي أكبر من كل هذه المصائب وإن جلت وعظمت ، فقد خلق لمهمة أصعب ، وخلّف لقضية أعظم.
وأسدل الستار على المدينة المنورة في روايتها الحزينة ، فتجاوبت بأصداء الفاجعة سهولها وجبالها ، واهتزت بفادح المصاب ظلالها وأفياؤها ، وسرى النعي في كل مكان ... مات محمد ، مات رسول الله.