أمور دقيقة الملحظ لم تعزب عن ذهن أبي بكر ، ولم تغرب عن فكر عمر ، ولم تتعد حصافة أبي عبيدة ، ولم يهمهم هذا وذاك ، ولكن هذا الشاخص الماثل علياً ، يشار إليه بالبنان ، فهو وحده العقبة الكأداء ليس غير. ثم هؤلاء جميعاً ما السبيل إلى إقناعهم ، وقد رأوا في البيعة مخالفة للعهد ومجانبة للعقد ، وفي القوم علي عليهالسلام ولا يعدل به إلى سواه دون ريب.
وكان العباس أول المتنبهين لخطر هذا الموضوع ، وأول المبادرين الى علي ، فقد لفته بقوله :
« يا ابن أخي ، أمدد يدك أبايعك ، فيقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن عم رسول الله ، فلا يختلف عليك اثنان ... »
هذا وجثمان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مسجى بين أهله ، فقال علي عليهالسلام :
« لنا برسول الله يا عم شغل ».
وهذا هو الأمثل من علي في تلك اللحظات.
وقيل : إن عليا قال :
« يا عم : وهل يطمع فيها طامع غيري ، قال ستعلم ، فقال : إني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج ».
ولم يكن علي ليغفل عما يجري من مؤامرات ومؤتمرات ، حتى يجيب عمه بهذا ، وإن صح فإنه كان يريد الأمر على ملأ من الناس علنا لا سراً ، جهاراً لا إسراراً ، وبينما هما كذلك وإذا بالناس يزّفون أبا بكر إلى المسجد كما تزّف العروس كما يقول الرواة وتناهت الأنباء إلى أبي سفيان فجاء يشتد إلى بيت الرسول وهو ينادي بملء فيه :