الحقيقي أقرب الى اللفظ : أنّ الذهن ينتقل الى تصوره عند سماع اللفظ قبل أن ينتقل الى تصور غيره.
ونتساءل ثانياً : ما ذا يريد المتكلِّم بكلمة «البحر» في قوله : «اذهب إلى البحر في كلّ يوم»؟ فهل يريد المعنى الأقرب لغوياً الذي نتصوره عند سماع الكلمة قبل غيره من المعاني وهو البحر من الماء ، أو يريد المعنى الأبعد لغوياً وهو البحر من العلم؟ ولمّا كان مصدر الدلالة التصديقية الدالّة على إرادة المتكلّم هو حال المتكلّم فيجب أن نعرف أيَّ هذين التقديرين أقرب الى حال المتكلّم ، فهل الأقرب الى حاله أن يريد المعنى الحقيقي الظاهر من اللفظ لغةً ، أو المعنى الأبعد؟
ويجيب علم الاصول على ذلك : أنّ الظاهر من حال المتكلّم أنّه يريد المعنى الأقرب لغوياً ، ويعني كون هذا أقرب الى حال المتكلّم : أنّ المرجّح في حال المتكلّم ـ بوصفه قد تكلّم بلفظٍ له معنىً لغوي ظاهر ـ أنّه يريد المعنى الظاهر الأقرب الى اللفظ دون الأبعد.
فلدينا إذن ظهوران : ظهور لغوي لكلمة «البحر» في المعنى الحقيقي ، وهذا الظهور لا يعني أكثر من أنّ الذهن ينتقل الى تصور هذا المعنى قبل تصور المعاني الاخرى ، وظهور حالي تصديقي وهو ظهور حال المتكلّم في أنّه يريد باللفظ إفهام الأقرب إليه من معانيه لغةً ، وهذا الظهور يعني أنّ الأرجح في حال المتكلّم أن يريد باللفظ معناه الظاهر.
ومن المقرَّر في علم الاصول أنّ ظهور حال المتكلّم في إرادة أقرب المعاني الى اللفظ حجّة ، ومعنى حجّية هذا الظهور اتّخاذه أساساً لتفسير الدليل