٢ ـ القاعدة العملية الثانوية
وقد انقلبت بحكم الشارع تلك القاعدة العملية الأساسية الى قاعدةٍ عمليةٍ ثانوية ، وهي أصالة البراءة القائلة بعدم وجوب الاحتياط. والسبب في هذا الانقلاب : أنّا علمنا عن طريق البيان الشرعي أنّ الشارع لا يهتمّ بالتكاليف المحتملة الى الدرجة التي تحتِّم الاحتياط على المكلّف ، بل يرضى بترك الاحتياط. والدليل على ذلك نصوص شرعية متعدّدة ، من أهمّها النصّ النبويّ القائل : «رفع عن امّتي ما لا يعلمون» (١).
وهكذا أصبحت القاعدة العملية هي عدم وجوب الاحتياط بدلاً عن وجوبه ، وأصالة البراءة بدلاً عن أصالة الاشتغال.
وتشمل هذه القاعدة العملية الثانوية موارد الشكّ في الوجوب وموارد الشكّ في الحرمة على السواء ؛ لأنّ النصّ النبويّ مطلق ، ويسمّى الشكّ في الوجوب ب «الشبهة الوجوبية» ، والشك في الحرمة ب «الشبهة التحريمية». كما تشمل القاعدة أيضاً الشكّ مهما كان سببه ، ولأجل هذا نتمسّك بالبراءة إذا شككنا في التكليف ، سواء نشأ شكّنا في ذلك من عدم وضوح الحكم العام الذي جعله الشارع ، أو من عدم العلم بوجود موضوع الحكم.
ومثال الأول : شكّنا في وجوب صلاة العيد أو في حرمة التدخين ، فإنّ هذا
__________________
(١) الخصال ٢ : ٤١٧ ، باب التسعة. وانظر وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل. ومتن الحديث هو : «رفع عن امّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ...»