الشيعة المتعبِّدين بفقه أهل البيت كانوا في نموٍّ مستمرٍّ كمّياً ، وكانت علاقاتهم بفقهائهم وطريقة الإفتاء والاستفتاء تتحدّد وتتّسع ، استطعنا أن نعرف أنّ الفقه الإمامي لم يفقد العوامل التي تدفعه نحو النموّ ، بل اتّسعت باتّساع التشيّع وشيوع فكرة التقليد بصورةٍ منظّمة.
وهكذا نعرف أنّ الفكر العلمي الإمامي كان يملك عوامل النموّ داخلياً باعتبار فتوّته وسيره في طريق التكامل ، وخارجياً باعتبار العلاقات التي كانت تربط الفقهاء الإماميّين بالشيعة وبحاجاتهم المتزايدة.
ولم يكن التوقّف النسبي له بعد وفاة الشيخ الرائد إلّا لكى يستجمع قُواه ويواصل نموّه عند الارتفاع إلى مستوى التفاعل مع آراء الطوسي.
وأمّا عنصر الإثارة المتمثّل في الفكر العلمي السنّي فهو وإن فقده الفكر العلمي الإمامي نتيجةً لجمود الحوزات الفقهية السنّية ولكنّه استعاده بصورةٍ جديدة ، وذلك عن طريق عمليات الغزو المذهبي التي قام بها الشيعة ، فقد أصبحوا في القرن السابع وما بعده في دور الدعوة إلى مذهبهم ، ومارس علماؤنا ـ كالعلّامة الحلّي وغيره ـ هذه الدعوة في نطاقٍ واسع ، فكان ذلك كافياً لإثارة الفكر العلمي الشيعي للتعمّق والتوسّع في درس اصول السنّة وفقهها وكلامها ، ولهذا نرى نشاطاً ملحوظاً في بحوث الفقه المقارن قام به العلماء الذين مارسوا تلك الدعوة من فقهاء الإمامية كالعلّامة الحلّي.
وكانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقّف النسبي على يد الفقيه المبدِع محمد بن أحمد بن إدريس المتوفّى سنة (٥٩٨ ه) ، إذ بثَّ في الفكر العلمي روحاً جديدة ، وكان كتابه الفقهي «السرائر» إيذاناً ببلوغ الفكر العلمي في مدرسة