الشيخ إلى مستوى التفاعل مع أفكار الشيخ ونقدها وتمحيصها.
وبدراسة كتاب السرائر ومقارنته بالمبسوط يمكننا أن ننتهي إلى النقاط التالية :
١ ـ إنّ كتاب السرائر يبرز العناصر الاصولية في البحث الفقهي وعلاقتها به بصورةٍ أوسع ممّا يقوم به كتاب المبسوط بهذا الصدد ، فعلى سبيل المثال نذكر : أنّ ابن إدريس أبرزَ في استنباطه لأحكام المياه ثلاث قواعد اصوليةٍ (١) وربط بحثه الفقهي بها ، بينما لا نجد شيئاً منها في أحكام المياه من كتاب المبسوط وإن كانت بصيغتها النظرية العامة موجودةً في كتب الاصول قبل ابن إدريس.
٢ ـ إنّ الاستدلال الفقهي لدى ابن إدريس أوسع منه في كتاب المبسوط ، وهو يشتمل في النقاط التي يختلف فيها مع الشيخ على توسّعٍ في الاحتجاج وتجميع الشواهد ، حتّى أنّ المسألة التي لا يزيد بحثها في المبسوط على سطرٍ واحدٍ قد تبلغ في السرائر صفحةً مثلاً ، ومن هذا القبيل مسألة طهارة الماء المتنجِّس إذا تُمِّم كرّاً بماءٍ متنجِّسٍ أيضاً ، فقد حكم الشيخ في المبسوط (٢) ببقاء الماء على النجاسة ، ولم يزد على جملةٍ واحدةٍ في توضيح وجهة نظره. وأمّا ابن إدريس فقد اختار طهارة الماء في هذه الحالة ، وتوسّع في بحث المسألة ، ثمّ ختمه قائلاً : «ولنا في هذه المسألة منفردةً نحو من عشر ورقاتٍ قد بلغْنا فيها أقصى الغايات ، وحججنا القول فيها والأسئلة والأدلّة والشواهد من الآيات والأخبار» (٣).
__________________
(١) السرائر ١ : ٥٨ ـ ٦٩
(٢) المبسوط ١ : ٧
(٣) السرائر ١ : ٦٩