التعارض بين الاصول
ويواجهنا بعد دراسة الاصول العملية السؤال التالي : ما ذا يصنع الفقيه إذا اختلف حكم الاستصحاب عن حكم أصل البراءة؟
ومثاله : أنّا نعلم بوجوب الصوم عند طلوع الفجر من نهار شهر رمضان حتّى غروب الشمس ، ونشكّ في بقاء الوجوب بعد الغروب الى غياب الحمرة ، ففي هذه الحالة تتوفّر أركان الاستصحاب من اليقين بالوجوب أوّلاً ، والشكّ في بقائه ثانياً ، وبحكم الاستصحاب يتعيّن الالتزام عملياً ببقاء الوجوب.
ومن ناحيةٍ اخرى نلاحظ أنّ الحالة تندرج ضمن نطاق أصل البراءة ؛ لأنّها شبهة بدوية في التكليف غير مقترنةٍ بالعلم الإجمالي ، وأصل البراءة ينفي وجوب الاحتياط ويرفع عنّا الوجوب عملياً ، فبأيّ الأصلين نأخذ؟
والجواب : أنّا نأخذ بالاستصحاب ونقدِّمه على أصل البراءة ، وهذا متّفق عليه بين الاصوليّين ، والرأي السائد بينهم لتبرير ذلك : أنّ دليل الاستصحاب حاكم على دليل أصل البراءة ؛ لأنّ دليل أصل البراءة هو النصّ النبويّ القائل : «رفع ما لا يعلمون» (١) ، وموضوعه كلّ ما لا يعلم ، ودليل الاستصحاب هو النصّ القائل : «لا ينقض اليقين أبداً بالشك» (٢) ، وبالتدقيق في النصّين نلاحظ أنّ دليل الاستصحاب يلغي الشكّ ويفترض كأنَّ اليقين باقٍ على حاله ، فيرفع بذلك
__________________
(١) الخصال ٢ : ٢٤٥ ، باب التسعة. ووسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل
(٢) وسائل الشيعة ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث الأوّل