الفصل الثاني
في العلاقات القائمة بين الحكم وموضوعه
حين حكمت الشريعة بوجوب الحجّ على المستطيع وجاء قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) أصبح الحجّ من الواجبات في الإسلام ، وأصبح وجوبه حكماً ثابتاً في الشريعة ، ولكن إذا افترضنا أنّ المسلمين وقتئذٍ لم يكن يوجد فيهم شخص مستطيع تتوفّر فيه خصائص الاستطاعة شرعاً فلا يتوجّه وجوب الحجّ الى أيِّ فردٍ من أفراد المسلمين ؛ لأنّهم ليسوا مستطيعين ، والحجّ إنّما يجب على المستطيع ، أي أنّ وجوب الحجّ لا يثبت في هذه الحالة لأيِّ فردٍ بالرغم من كونه حكماً ثابتاً في الشريعة ، فإذا أصبح أحد الأفراد مستطيعاً اتّجه الوجوب نحوه وأصبح ثابتاً بالنسبة إليه.
وعلى هذا الضوء نلاحظ أنّ للحكم ثبوتين : أحدهما ثبوت الحكم في الشريعة ، والآخر ثبوته بالنسبة الى هذا الفرد أو ذاك. فحين حكم الإسلام بوجوب الحجّ على المستطيع في الآية الكريمة ثبت هذا الحكم في الشريعة ولو لم يكن يوجد مستطيع وقتئذٍ إطلاقاً ، بمعنى أنّ شخصاً لو سأل في ذلك الوقت ما هي أحكام الشريعة؟ لذكرنا من بينها وجوب الحجّ على المستطيع ، سواء كان في المسلمين مستطيع فعلاً أوْ لا ، وبعد أن يصبح هذا الفرد أو ذاك مستطيعاً يثبت الوجوب عليه.
__________________
(١) آل عمران : ٩٧