ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدّمناه لعلم الاصول استطعنا أن نعرف أنّ علم الاصول يدرس في الحقيقة نفس عملية الاستنباط التي يمارسها الفقيه في علم الفقه ، وتتعلّق بحوثه كلّها بتدقيق هذه العملية وإبراز ما فيها من عناصر مشتركة ، وعلى هذا الأساس تكون عملية الاستنباط هي موضوع علم الاصول باعتباره علماً يدرس العناصر المشتركة التي تدخل في تلك العملية ، من قبيل حجّية الظهور العرفي وحجّية الخبر.
ولا بدّ أنّ معلوماتكم عن علم المنطق تسمح لنا أن نستخدم علم المنطق كمثالٍ لعلم الاصول ، فإنّ علم المنطق ـ كما تعلمون ـ يدرس في الحقيقة عملية التفكير مهما كان لونها ومجالها وحقلها العلمي ، ويحدّد النظام العام الذي يجب أن تتّبعه عملية التفكير لكي يكون التفكير سليماً. مثلاً : يعلّمنا علم المنطق كيف يجب أن ننهج في الاستدلال بوصفه عملية تفكيرٍ لكي يكون الاستدلال صحيحاً؟ كيف نستدلّ على أنّ سقراط فانٍ؟ وكيف نستدلّ على أنّ نار الموقد الموضوع أمامي محرقة؟ وكيف نستدلّ على أنّ مجموع زوايا المثلّث تساوي قائمتين؟ وكيف نستدلّ على أنّ الخطّ الممتدّ بدون نهايةٍ مستحيل؟ وكيف نستدلّ على أنّ الخسوف ينتج عن توسّط الأرض بين الشمس والقمر؟
كلّ هذا يجيب عليه علم المنطق بوضع المناهج العامة للاستدلال ، كالقياس والاستقراء التي تطبّق في مختلف هذه الحقول من المعرفة ، فهو إذن علم لعملية التفكير إطلاقاً ، إذ يضع المناهج والعناصر العامة فيها.
وعلم الاصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية ، غير أنّه يبحث عن نوعٍ خاصٍّ من عملية التفكير ، أي عن عملية التفكير الفقهي في استنباط الأحكام ،