ويعبّر عن ذلك في العرف الاصولي ب «انحلال العلم الإجمالي الى العلم التفصيلي بأحد الطرفين والشكّ البدوي في الآخر» ؛ لأنّ نجاسة ذلك الكأس المعيَّن أصبحت معلومةً بالتفصيل ، ونجاسة الآخر أصبحت مشكوكةً شكّاً ابتدائياً بعد أن زال العلم الإجمالي ، فيأخذ العلم التفصيلي مفعوله من الحجّية وتجري بالنسبة الى الشكّ الابتدائي أصالة البراءة ، أي القاعدة العملية الثانوية التي تجري في جميع موارد الشكّ الابتدائي.
عرفنا أنّ الشكّ إذا كان ابتدائياً حكمت فيه القاعدة العملية الثانوية القائلة بأصالة البراءة ، وإذا كان مقترناً بالعلم الإجمالي حكمت فيه القاعدة العملية الأولية.
وقد يخفى أحياناً نوع الشكّ فلا يعلم أهو من الشكّ الابتدائي أو من الشكّ المقترن بالعلم الإجمالي ، أو الناتج عنه بتعبيرٍ آخر؟ ومن هذا القبيل مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر كما يسمّيها الاصوليون ، وهي : أن يتعلّق وجوب شرعي بعمليةٍ مركّبةٍ من أجزاءٍ كالصلاة ، ونعلم باشتمال العملية على تسعة أجزاءٍ معيّنةٍ ونشكّ في اشتمالها على جزءٍ عاشرٍ ولا يوجد دليل يثبت أو ينفي ، ففي هذه الحالة يحاول الفقيه أن يحدِّد الموقف العملي فيتساءل : هل يجب الاحتياط على المكلّف فيأتي بالتسعة ويضيف إليها هذا العاشر الذي يحتمل دخوله في نطاق الواجب لكي يكون مؤدّياً للواجب على كلّ تقدير ، أو يكفيه الإتيان بالتسعة التي يعلم بوجوبها ولا يطالب بالعاشر المجهول وجوبه؟
وللُاصوليّين جوابان مختلفان على هذا السؤال يمثِّل كلّ منهما اتّجاهاً في تفسير الموقف : فأحد الاتّجاهين يقول بوجوب الاحتياط تطبيقاً للقاعدة العملية