المبدع محمد بن أحمد بن إدريس ، الذي أدرك تلك الفترة ، وكان له دور كبير في مقاومتها ، وبثّ الحياة من جديدٍ في الفكر العلمي ، كما سنعرف بعد لحظات ، فقد كتب هذا الفقيه في مقدّمة كتابه «السرائر» يقول : «إنّي لمّا رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والأحكام الإسلامية ، وتثاقلهم عن طلبها ، وعداوتهم لِمَا يجهلون ، وتضييعهم لما يعلمون ، ورأيت ذا السنّ من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه مضيِّعاً لِمَا استودعته الأيام ، مقصِّراً في البحث عمّا يجب عليه علمه ، حتّى كأنّه ابن يومه ومنتج ساعته ... ، ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان ، وميدانه قد عطِّل منه الرهان ، تداركت منه الذماء الباقي ، وتلافيت نفساً بلغت التراقي» (١).
ما انتهت مائة عامٍ حتّى دبَّت الحياة من جديدٍ في البحث الفقهي والاصولي على الصعيد الإمامي ، بينما ظلّ البحث العلمي السنّي على ركوده الذي وصفه الغزَّالي في القرن الخامس.
ومردّ هذا الفرق بين الفكرين والبحثين إلى عدّة أسبابٍ أدّت إلى استئناف الفكر العلمي الإمامي نشاطه الفقهي والاصولي دون الفكر السنّي ، ونذكر من تلك الأسباب السببين التاليين :
١ ـ إنّ روح التقليد وإن كانت قد سرت في الحوزة التي خلّفها الشيخ الطوسي ، كما تغلغلت في أوساط الفقه السني ، ولكنّ نوعية الروح كانت تختلف ؛ لأنّ الحوزة العلمية التي خلّفها الشيخ الطوسي سرى فيها روح التقليد ؛ لأنّها كانت
__________________
(١) السرائر ١ : ٤٢