ويدرس العناصر المشتركة العامة التي يجب أن تستوعبها عملية الاستنباط ، وتتكيّف وفقاً لها لكي يكون الاستنباط سليماً والفقيه موفّقاً في استنتاجه. فهو يعلّمنا : كيف يجب أن ننهج في استنباط الحكم الشرعي؟ كيف نستنبط الحكم بحرمة الارتماس على الصائم؟ كيف نستنبط الحكم باعتصام ماء الكرّ؟ كيف نستنبط الحكم بوجوب صلاة العيد؟ كيف نستنبط الحكم بحرمة تنجيس المسجد؟ كيف نستنبط الحكم ببطلان البيع الصادر عن إكراه؟ كلّ هذا يوضّحه علم الاصول بوضع المناهج العامة لعملية الاستنباط والكشف عن عناصرها المشتركة.
وعلى هذا الأساس قد نطلق على علم الاصول اسم «منطق علم الفقه» ؛ لأنّه يلعب بالنسبة الى علم الفقه دوراً إيجابياً مماثلاً للدور الإيجابي الذي يؤدّيه علم المنطق للعلوم والفكر البشري بصورةٍ عامة ، فهو على هذا الأساس «منطق علم الفقه» ، أو «منطق عملية الاستنباط» بتعبيرٍ آخر.
ونستخلص من ذلك كلّه : أنّ علم الفقه هو العلم بعملية الاستنباط ، وعلم الاصول هو منطق تلك العملية الذي يبرز عناصرها المشتركة ونظامها العام الذي يجب على علم الفقه الاعتماد عليه.
ولسنا بعد ذلك بحاجةٍ إلى التأكيد على أهمّية علم الاصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط ؛ لأنّه ما دام يقدِّم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة يضع لها نظامها العام ، فهو عصب الحياة في عملية الاستنباط والقوة الموجّهة ، وبدون علم الاصول يواجه الشخص في الفقه ركاماً متناثراً من النصوص والأدلّة دون أن يستطيع استخدامها والاستفادة منها في الاستنباط ، كإنسانٍ يواجه أدوات النجارة