العلم الإجمالي ، فالأول يدخل في نطاق القاعدة الثانوية وهي أصالة البراءة ، والثاني يدخل في نطاق القاعدة الأولية وهي أصالة الاحتياط.
وفي ضوء ذلك نعرف أنّ الواجب علينا عقلاً في موارد العلم الإجمالي هو الإتيان بكلا الطرفين ، أي الظهر والجمعة في المثال السابق ؛ لأنّ كلّاً منهما داخل في نطاق أصالة الاحتياط. ويطلق في علم الاصول على الإتيان بالطرفين معاً اسم «الموافقة القطعية» ؛ لأنّ المكلّف عند إتيانه بهما معاً يقطع بأنّه وافق تكليف المولى ، كما يطلق على ترك الطرفين معاً اسم «المخالفة القطعية» ، وأمّا الإتيان بأحدهما وترك الآخر فيطلق عليهما اسم «الموافقة الاحتمالية» و «المخالفة الاحتمالية» ؛ لأنّ المكلّف في هذه الحالة يحتمل أنّه وافق تكليف المولى ، ويحتمل أنّه خالفه.
إذا وجدتَ كأسين من ماءٍ قد يكون كلاهما نجساً وقد يكون أحدهما نجساً فقط ، ولكنّك تعلم ـ على أيِّ حالٍ ـ بأنّهما ليسا طاهرين معاً ، فينشأ في نفسك علم إجمالي بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين. فإذا اتّفق لك بعد ذلك أن اكتشفت نجاسةً في أحد الكأسين وعلمت أنّ هذا الكأس المعيَّن نجس فسوف يزول في رأي كثيرٍ من الاصوليين علمك الإجمالي بسبب هذا العلم التفصيلي ؛ لأنّك الآن بعد اكتشافك نجاسة ذلك الكأس المعيَّن لا تعلم إجمالاً بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين ، بل تعلم بنجاسة ذلك الكأس المعيَّن علماً تفصيلياً وتشكّ في نجاسة الآخر. ولأجل هذا لا تستطيع أن تستعمل الصيغة اللغوية التي تعبّر عن العلم الإجمالي «إمّا ، وإمّا» ، فلا يمكنك أن تقول : «إمّا هذا نجس أو ذاك» ، بل هذا نجس جزماً ، وذاك لا تدري بنجاسته.