الأساسية كنّا نتحدّث عن الحالة الثالثة ، أي حالة الشكّ الساذج الذي لم يقترن بالعلم الإجمالي. والآن ندرس حالة الشكّ الناتج عن العلم الإجمالي ، أي الشكّ في الحالة الثانية من الحالات الثلاث السابقة ، وهذا يعني أنّنا درسنا الشكّ بصورته الساذجة وندرسه الآن بعد أن نضيف إليه عنصراً جديداً وهو العلم الإجمالي ، فهل تجري فيه القاعدة العملية الثانوية كما كانت تجري في موارد الشكّ الساذج ، أوْ لا؟
وعلى ضوء ما سبق يمكننا تحليل العلم الإجمالي الى علمٍ بأحد الأمرين وشكٍّ في هذا وشكٍّ في ذاك. ففي يوم الجمعة نعلم بوجوب أحد الأمرين «صلاة الظهر أو صلاة الجمعة» ، ونشكّ في وجوب الظهر كما نشكّ في وجوب الجمعة ، والعلم بوجوب أحد الأمرين ـ بوصفه علماً ـ يشمله مبدأ حجّية العلم الذي درسناه في بحثٍ سابق ، فلا يسمح لنا العقل لأجل ذلك بترك الأمرين معاً : الظهر والجمعة ؛ لأنّنا لو تركناهما معاً لخالفنا علمنا بوجوب أحد الأمرين ، والعلم حجّة عقلاً في جميع الأحوال سواء كان إجمالياً أو تفصيلياً.
ويؤمن الرأي الاصولي السائد في مورد العلم الإجمالي لا بثبوت الحجّية للعلم بأحد الأمرين فحسب ، بل يؤمن أيضاً بعدم إمكان انتزاع هذه الحجّية منه واستحالة ترخيص الشارع في مخالفته بترك الأمرين معاً ، كما لا يمكن للشارع أن ينتزع الحجّية من العلم التفصيلي ويرخّص في مخالفته وفقاً للمبدإ الاصولي ـ المتقدّم الذكر في بحث حجّية القطع (١) ـ القائل باستحالة صدور الردع من
__________________
(١) تقدّم تحت عنوان : العنصر المشترك بين النوعين