ناحيةٍ اخرى يوسّع ويرخّص.
ومثاله : خبر الثقة الدالّ على حرمة الارتماس على الصائم ، فإنّ هذه الحرمة إذا لاحظناها من ناحية الخبر فهي حكم شرعيّ قد قام عليه الدليل الظنّي الحجّة ، وإذا لاحظناها بوصفها تكليفاً غير معلومٍ نجد أنّ دليل البراءة (رفع ما لا يعلمون) يشملها ، فهل يحدِّد الفقيه في هذه الحالة موقفه على أساس الدليل الظنّي أو على أساس الأصل العملي؟ ويسمِّي الاصوليون الدليل الظنّي بالأمارة ، ويطلقون على هذه الحالة اسم التعارض بين الأمارات والاصول.
ولا شكّ في هذه الحالة لدى علماء الاصول في تقديم خبر الثقة وما إليه من الأدلّة الظنّية المعتبرة على أصل البراءة ونحوه من الاصول العملية ؛ لأنّ الدليل الظنّي الذي حكم الشارع بحجّيته يؤدّي ـ بحكم الشارع هذا ـ دور الدليل القطعي ، فكما أنّ الدليل القطعي ينفي موضوع الأصل ولا يُبقي مجالاً لأيِّ قاعدةٍ عمليةٍ فكذلك الدليل الظنّي الذي أسند إليه الشارع نفس الدور وأمرنا باتّخاذه دليلاً ، ولهذا يقال عادةً : إنّ الأمارة حاكمة على الاصول العملية.
هذا آخر ما أردنا استعراضه من بحوثٍ ضمن الحدود التي وضعناها لهذه الحلقة. وبذلك تكتمل في ذهن الطالب تصورات علمية عامة عن العناصر المشتركة بالدرجة التي تؤهِّله لدراستها على مستوى أرفع في الحلقة الآتية.
والحمد لله أوّلاً وآخراً ، ومنه نستمدّ التوفيق لما يحبّ ويرضى ، إنّه وليّ الإحسان ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير.