اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدّد الله عليهم» (١).
يقول لهم موسى الرسول : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فيردون عليه (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) ويكأن الله يهزء بعباده عن جهالة ، أو أن رسول الله يفتري على الله ما فيه جهالة!.
(قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) في ذلك الأمر الإمر ، البعيد عن تحقيق سؤلنا ، (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في نقل الأمر افتراء ، وهو من أجهل الجهالة ، أم في نفس الأمر أن يحمل امر الله بما أحمله جهالة الاستهزاء!.
هنا نتبين أن الهزء من الجهالة ، وطبعا إذا كان بدائيا ومن جاهل ، وفي حالة الهجمة ، وأما الجزاء الوفاق من المجازي الحق دفاعا عن الحق فليس من الجهل ، وكما في نوح (عليه السّلام) : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ)
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٧٧ ـ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لا ان بني إسرائيل قالوا : وانا ان شاء الله لمهتدون ـ ما اعطوا أبدا لو انهم ... أقول : وقد رويت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بألفاظ مختلفة ، المتفق عليه فيها إطلاق الأمر واجزاء أية بقرة ، ولكنهم لما شردوا شرد الله عليهم ، مما يلائم ظاهر الأمر الطليق في الآية ، وهنا عشرة كاملة من الأحاديث تحمل تدرج الأمر في قيود المأمور به وقد رواها أبو هريرة وعكرمة وابن جريح وقتادة وابن عباس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والبزنطي ومقاتل بن مقاتل ومحمد بن عبيدة عن الرضا (عليه السلام) وعلي بن يقطين عن موسى بن جعفر عليهما السلام وابن طاووس عن الباقر (عليه السلام) وهي كلها موافقة لظاهر القرآن في ذلك فلا يصغى الى قيلة القائل ان المأمور به كان مقيدا من اوّل الأمر ، لا سيما وان قوله (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) امر حال بإتيانه ولمّا تذكر سائر المواصفات التالية ، ولو كان كما قيل لكان امرا بالمحال ان يأتوا بما لم يتبين بعد قيوده!