ثم (إِنِّي جاعِلُكَ ...) مما يدل على انحصار جعل الإمامة بالله ، وانحساره عمن سواه ، و «جاعلك إماما ...» حيث اسم الفاعل عامل في مفعوليه هنا ، دليل انه جعل في الحال ، حيث الفاعل الماضي لا يعمل ، واما الاستقبال فهو مجاز يحتاج إلى دليل وصدق المشتق بمادته ليس إلّا بصادق واقعها في الحال.
والإمامة بإطلاقها هي القيادة الحقة كما هنا او الباطلة كما (جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وليس المعني منها في ذلك الجعل ما دون العصمة من القيادة فان ابراهيم معصوم حينه بأعلى درجات النبوة ، وان الله لا يجعل قيادة روحية بانتصاب لمن هو دون العصمة ، فانه قد يخطأ او يقصّر او يقصر ، فكيف يأتمنه الله على قيادته للناس؟!.
بل وليست هذه الإمامة هنا هي الرسالة او النبوة ، فإنهما مجعولتان له ماضيتان ، ونفس (إِنِّي جاعِلُكَ) وحيا دليل على حاضر الوحي رسالة ونبوة ، فكيف يجعله صاحب وحي وهو رسول ، كما وهو الآن في مختتم عمره وقد آتاه الله الحكم والنبوة في شبابه : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٢٦ : ٨٣) ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) (١٩ : ٤١) وذلك حين كان فتى وهو يحارب الآلهة المزيفة وعبّادها : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) (٤٩).
فلأن الإمامة هنا هي بعد كامل العبودية والنبوءة والرسالة والنبوّة والخلقة (١) حيث تخطّاها إلى القمة مرحليا كلّا تلو الأخرى ، إذا فهي الإمامة بين
__________________
(١) تفسير البرهان ١ : ١٤٩ عن الكافي بسند متصل عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا ـ