لم يقولوا (إِنْ شاءَ اللهُ) لحيل بينهم وبينها ابدا (١) أترى أن الله لم يشأ اهتداءهم حتى الآن؟ فهم إذا معذورون! أم شاء؟ فتخلفت المشية عن الواقع! فما هو دور «إنشاء الله» هنا إن كان لهم الإختيار؟.
لقد شاء الله اهتدائهم بشرعته لما أمرهم بما أمرهم فتخلفوا عنه عاصين ، ولم يشأ حتى الآن اهتداءهم تكوينا إذ هم لم يشاءوا بسوء اختيارهم ، فليس ل «إنشاء الله» هنا دور إلّا تكوينا لاهتدائهم إن شاءوا هم أن يهتدوا وقد شاءوه أخيرا لما عيوا وأيسوا عن مكرهم.
والمتورط في العصيان عليه التبرك ب (إِنْ شاءَ اللهُ) لصقا بمشيئته إلى مشيئة الله تعالى ، ثم «لمهتدون» قد تعني إضافة إلى هدي التطبيق لأمر الله ، الاهتداء إلى بقرة تحمل كل هذه المواصفات ، ثم الاهتداء إلى معرفة القاتل في هذا البين ، فقد يشاء الله ـ بما شاءوا ـ اهتدائهم إلى ذبحها ، ثم لا يشاء اهتداءهم إلى القاتل أن يضربوا المقتول ببعضها ، أم لا يشاء اهتداءهم إلى هذه البقرة الخاصة بعد ما شاء اهتداءهم لائتمارهم جزاء بما تعنتوا.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ٧١.
فلم تعد هذه البقرة ـ إذا ـ متوسطة العمر صفراء فاقع لونها تسر الناظرين فحسب ، بل هي بقرة غير مذللة بإثارة الأرض وسقي الحرث ، ثم هي مسلّمة : خالصة اللون في الصفرة الفاقعة (لا شِيَةَ فِيها) لا تشوبها علامة ، ولا تمازج لونها لون آخر ، كما هي مسلمة عن سائر العيوب :
وترى (لا شِيَةَ فِيها) هي ـ فقط ـ إيضاح ل «مسلمة»؟ وليس القرآن كتاب لغة! ومسلمة اللون ـ طبعا ـ (لا شِيَةَ فِيها) إذا فهي توضيح للواضح!
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٣ : ١٢٠ قال الحسن عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) :