البدنية ، أم ـ فقط ـ نفسيا ، كالآتي بالمندوب او المفروض ، مستهل التطبيق ، ولكنه مستصعب في وجه الحكمة.
أم هو متكلّف فيه نفسيا وبدنيا كالتطوف بالصفا والمروة ، فاجتياز تلك المسافة البعيدة مرات سبع ، بزحام بالغ ، وحرّ حارق ، وصدام في الجمع حانق ، ذلك تكلف بدني! ثم هو تكلف نفسي في بعدين اثنين ثانيهما خفاء وجه الحكمة في ذلك الفرض الركن ، إضافة الى أوّلها ، تحرجا عن موقف الأصنام وسنة كأنها جاهلية.
فليس التطوع ـ إذا ـ ليدل على ندب المتطوع فيه كما لا يدل على فرضه ، فقد يكون ندبا ولا تطوع فيه كالسواك والنكاح أمّا شابه ، أو يكون فرضا فيه تكلف كفرض الحج بكل مناسكه ، فالتطوع في صيغة واحدة هو تكلف الطوع ، سواء أكان في فرض أو ندب ، ولقد كانت الدعوة الجادة الجديدة الحادة ضد الشرك وطقوسه ، هزت أرواحهم هزا ، وتغلغلت فيها إلى الأعماق ، فأحدثت انقلابا نفسيا حتى لينظرون بجفوة وتحرّز الى ماضيهم الجاهلي ، حيث انفصلوا عنه انفصالا تاما طاما كلّ كيانهم ، فلم يعد منهم في شيء ، ولم تعد دوامته في شيء ، فكيف يطوفون بالصفاء والمروة وهو من طقوس الجاهلية ـ بزعمهم ـ وهو موقف الأصنام في الواقع الماضي ، ومدفنها بعد الماضي!.
هذا ـ ولكن شرعة الحق تريد الإبقاء على بعض تلك الشعائر لأنها من شعائر الله ، مهما اتخذتها الجاهلية الجهلاء من شعائرها ، واستغلتها لحرمة الأصنام إذ كانوا يلمسونها في طواف البيت والسعي ، نزعا لها عن أصلها الجاهلي ، وعودا بها الى أصلها الإلهي ، فليست الشعيرة الجاهلية المتّخذة لتمحو الشعيرة الإلهية الأصيلة قبلها ف : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...)!. وترى ما هي شعائر الله بوجه عام؟.