وضلت عنكم في الأخرى ، فما يحولنا الله إياه من طاقات وإمكانيات متصلة أو منفصلة هي متروكة لسماعينا ، أن نتركها وراء ظهورنا إذ لم نستفد منها ولم نفد في مرضات الله ، أو نقدمها لأنفسنا (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) فليس «جئتمونا فرادى وتركتم» إلّا على الأولين ، ثم الآخرون يجيئون الله بجمعهم الخيّر وعملهم النيّر مما قدموه لأنفسهم.
ثم (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) لله ، أو شركاء في حيوياتكم الدنيوية ، وفي عبارة مختصرة محتصرة (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) ما بينكم وبين مزاعمكم (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من شركاءكم وكلّ من يناصركم في غمراتكم.
فالكافرون ـ إذا ـ هم فرادى عن جمعهم وما كانوا يكسبون حيث لا تنفعهم ، والمؤمنون ليسوا فرادى حيث جمعوا إلى أنفسهم مرضات الله ف (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٢٦ : ٨٩) وهو أجمع جمع ينفع يوم لا ينفع أي جمع.
وعلّ «فرادى» هي جمع «فردان» كسكارى جمع سكران ، أو جمع «فريد» كردافى جمع رديف.
ثم الفردان والفريد تعنيان التفرد عن غير أنفسهم ، فاضية خاوية عما كانوا يزعمون من جمع وناصرين ، فما لهم من جمع هناك ولا ناصرين (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ...).
ولأنه لا فصائل هناك على الحقيقة فتوصف بالتقطع ، فالمراد ـ إذا ـ لقد زال ما كان بينكم من شبكة المودة وعلاقة الألفة ، التي تشبه لاستحكامها بالحبال المحصرة والقرائن المؤكدة.
فمهما كانت تلك الوصالات هنا أكيدة بكلّ مكر ومكيدة ، فهي تبدل إلى انفصالات أكيدة ، تقطعا بعد التوصل ، وتشتتا بعد التحصّل.