وهذه من الميّزات القرآنية في مخاطبة الفطرة والعقلية الإنسانية بالحقائق الكونية في صورتها الواقعية دون مجرد مثل ونظريات ، بل هي الواقعية في صورتها الرائعة غير المحرفة ، تتجلى من وراءها يد الخلاق العظيم ، موعية للبصر ، موحية للبصيرة ، دافعة إلى استخدام العلم والفكرة للوصول إلى الحقيقة الكبرى المهيمنة عليها ، ف (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
فالاهتداء بالنجوم الحسية والروحية بحاجة إلى معرفة مسالكها ودوراتها ومواقعها : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦ : ١٦) ووقفة الاهتداء على صالح الحياة الدنيا دون أن يبصر بها إلى العليا ، ليست هي الغاية التامة حيث تخطى عن العليا.
ولأن الآيات المفصلة لقوم يعلمون تحلق على كلّ درجاتها ، فقوم يعلمون ايضا درجات حسب درجاتها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
وليس يعني «يعلمون» هنا صلاحات العلم أيا كان ، إنما هو العلم الصافي الضافي بالنفس ، ومن ثم بخالق النفس ، رؤية للآيات الآفاقية والأنفسية ، ذريعة للحصول على الحق المرام : ف «رب عالم قتله جهله ، وعلمه معه لا ينفعه» (١٠٧ ح / ٥٨٤) و«هلك امرء لم يعرف قدره» (١٤٩ ح / ٥٩٦) ف «الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل» (١) ـ «والعلم وراثة كريمة ، والآداب حلل مجددة ، والفكر مرآة صافية» (٦٤ / ٥٦٥).
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ٣٩٢ / ٣ / ٥٣٠.