وهذه ضابطة ثابتة أن الأمر المباح في نفسه بل والراجح أو الواجب ، وجاه الغير إذا سبّب محظورا أشد منه أصبح محظورا بذلك السبب ، ولا تشمل الواجبات الشخصية كأن تصلي وهي تسبّب الهزء من الدين ، أو تترك الخمر وهو يسبب ما أشبهه من هزء وسواه ، فإن فرائض الله سلبيا وإيجابيا ليست لتترك حيث تسبّب تخلفات الآخرين ، فهل تحرم الدعوة إلى الله ببالغ الحجة إذا سببت التكذيب بها من الكافرين؟!.
فإنما المحظور هو أن توجه إلى المتخلفين عن الله ، أو إلى معبوديهم خطابا وعتابا يسبب سبّ الله أم سواه من حرمات الله ، وبإمكانك أن تسكت أو تغيّر التعبير جدالا بالتي هي أحسن.
ذلك ، وليس سب الذين يدعون من دون الله من قضايا الدعوة إلى الله ، بل وقد يبعّدهم أكثر مما هم ، أو يحرضهم على سب الله عدوا بغير علم ، وهم معترفون بالله في أصله ، مهما أشركوا به ما سواه (١).
ذلك ، وأما حجاجات المرسلين وسواهم ، المذكورة في الكتاب والسنة (٢) التي تزري العابدين من دون الله والمعبودين ، فليست هي من
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٨ عن ابن عباس في قوله : (ولا تسبوا ..) قال : قالوا يا محمد لتنتهين عن سبب آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله ان يسبوا أوثانهم (فيسبوا الله عدوا بغير علم).
(٢) ك (لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) (٤ : ٤٦) فانه بيان واقع ان بعدهم الله بكفرهم بالله ، وكذلك «فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (٧٤ : ١٩) و (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (٨٠ : ١٧) و (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢١ : ٦٧) و (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٦٨ : ١٣) فهذه كلها بيان للواقع دعوة إلى الحق وحظرا عن الباطل وتحذيرا عن وقعه بين اهل الحق ، فانما السب ما ليس في بيان الواقع والحق وتزييف الباطل ، فالدعوة الى الله لها متطلبات واقعية لا يحظر عليها ابدا.