السب ، فإنها تحمل إيجاب الحق وسلب الباطل بالتي هي أحسن ، فمثل (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ) حيث تعني إبعاد العابد والمعبود عن الحق ، أو (لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) إخبارا عن بعدهم عن الله أو (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) إظهارا للواقع المنكور لعامله حتى يجتنب ، كلّ ذلك لا تعدوا بيان الواقع المنكور في مقام الحجاج بلجاج المحتجّ عليه ، أم تسويله واحتياله للبسطاء اختلاسا لهم عن الحق المرام الى باطل المرام ، وليس فيها شتم وجيع فرية وما أشبه من خلاف الحق ، فسبيل الحق لا تتحمل خلاف الحق.
فانما طبيعة الحال في الحجاج التزييف ببرهان ، والمحظور هو السبّ دون برهان ، أو خليط منهما ، وأما البرهان المزيّف ، وهو طبيعة حال الحجاج ، فليس داخلا في النهي فانه تبيين للحق ، وإلّا لكانت الحجاجات الحقة كلها محظورة ، لأنها كلها تثبت الحق من ناحية وتبطل الباطل من أخرى ، فإحقاق الحق وإبطال الباطل بساطع البراهين المثبتة للحق ، المزيفة للباطل ليس شتما فضلا عن الوجيع.
ف «لا تسبوا ..» لا تعني ـ فيما عنت «لا تحتجوا» فإنما تشترط في الحجاج أن تكون بالتي هي أحسن ، قصدا إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل ولو كره الكافرون ، أو احتسبوه سبا وليس به.
ولو أن كلّ تعريض بالكفار تلزمه الحجاج بالتي هي أحسن كان محظورا ، لحظر على كافة الدعوات الرسالية ، فإن قضيتها الأصلية إحقاق الحق وإبطال الباطل ، وذلك يغيض الكافر البغيض للحق الحفيظ للباطل.
ثم وليس دور النهي في الآية أصل السب ، بل هو الاستسباب ، فأما السب اعتداء بالمثل ، أو السب بيانا لواقع السوء في الذي تسبه تنبيها له