كاذبون ، فقد : (أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) (٣٥ : ٤٢) في أصل البعث الرسولي : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (١٦ : ٣٨) تحررا وتحللا عن عبء الرسالات ، وهنا (أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ..) ويكأنهم لم تأتهم آية ، والقرآن بنفسه أبرز الآيات وأحرزها فيما هو آت من سائر الآيات (١).
وجهد أيمانهم هو بالغها القمة المستطاعة منها بكلّ تأكيد وتسديد ، فقد حلفوا بالله وهم مشركون ، حلفا بما يصدقه الطرفان وذلك من جهد الإيمان حيث اليمين بالأوثان ليس من جهد الأيمان إذ لا يقبله المحلوف له الناكر إياه.
ولما ذا هنا وفيما أشبه «أقسموا» دون حلفوا وأيمنوا؟ لأن الحلف المؤكد ويمينه يقسم بين الحق والباطل في المدعى ، فكما أن سائر الحجج تقسم بينهما ، كذلك اليمين وهي حجة من لا حجة له سواها ، احتجاجا بالمقبول عند الطرفين ، فهو يقسم بين الحق والباطل ، كما يقسم بين المحق والمبطل حالفا وسواه.
فحين ينكر منكر أمّ الآيات الربانية وقمتها فهو بأحرى ينكر سائر
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٩ ـ اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كلم رسول الله (ص) قريشا فقالوا يا محمد تخبرنا ان موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر وان عيسى كان يحيى الموتى وان ثمود كان لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله (ص) أي شيء تحبون ان آتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا قال فان فعلت تصدقوني قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله (ص) يدعو فجاء جبرائيل (ع) فقال له ان شئت أصبح ذهبا فان لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم وان شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال : بل يتوب تائبهم فأنزل الله (وَأَقْسَمُوا) ـ الى قوله ـ (يَجْهَلُونَ).