لقد قال الله وفعل وكوّن كلّ كلماته التي كان من الصالح أن يقولها ويفعلها ويكوّنها للعالمين فلم تبق له كلمة إلّا وقد قالها في هذه الرسالة السامية دون إبقاء.
صحيح أن آيات الله ورسالاته كلها من كلمات الله ، وهي كلمة واحدة تدل على ربوبية واحدة برسالة واحدة ، ولكنها قبل الكلمة الأخيرة القرآنية المحمدية كانت تترى متكاملة في فتراتها الزمنية ، رسالة بعد رسالة وشرعة بعد شرعة ، ثم تمت كونها وكيانا وزمانا بهذه الكلمة الأخيرة (صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) تبديل النسخ أو التكميل أم أي تبديل بتحريف وتجديف ، حيث القرآن هو الوحيد بين كتابات الوحي في ميّزات ومنها عدم تحرّفه كما ضمن الله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩).
وهنا «لا مبدل» نهي إلى نفي ، إخبارا بعدم تبدل كلماته ونهيا عنه ، تبديلا عن جهات أشراعه بكلّ تأويل عليل ، أو تبديلا لمواضعه أن تؤلف نسخة غير ما بأيدينا منذ تأليفه من الرسول (ص) بوحي من الله.
ذلك ، ولأنها تمت جملة وتفصيلا وحصولا وتحصيلا في ردح الوحي بكرة وأصيلا دون أن يتدخل فيها غير الله ، سبحانه وتعالى عما يشركون.
وقد تعني ـ فيما عنت ـ «صدقا» كلمة الإخبار ، و«عدلا» كلمة الإنشاء ، ولا تخلو كلمة القرآن ونبي القرآن عن إخبار أو إنشاء ، أو جمعا بينهما ، فقد أنشأ القرآن إنشاء كما أنشأ إنشاء ، وأخبر أخبارا كما أخبر ـ فيما أخبر بكله ـ إخبارا ، أنه الآية الوحيدة الخالدة غير الوهيدة على مدار الزمن إلى يوم الدين : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ
__________________
ـ من كل امام من الاثنى عشر حين ولدوا ، رواه ابو بصير والحسن بن راشد ويونس بن ظبيان ومحمد بن مروان كل عن أبي عبد الله (ع).